العنف المتطرف يأخذ طابعا ساحليا: هل هي نشأة جيل ثالث من الإرهاب؟
هل نشهد اليوم نشأة جيل ثالث من العنف في الساحل؟ بعد الظاهرة العالمية لتسعينيات القرن الماضي التي نشأت بدافع من المجاهدين الأفغان وقادها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، برز مع ظهور تنظيم داعش خلال السنوات الأخيرة تيار جديد يتسم بأقلمة النضال وحُلم الخلافة. وخاضت هاتان الحركتان معركة صعبة على أرض الساحل المجزأة إلى العديد من الهياكل المؤلفة في البداية من قيادات تنحدر من المغرب العربي والشرق الأوسط. لكن، القطيعة المذهبية مع تنظيم القاعدة – الذي يدعو إلى مهاجمة الساكنة المدنية – وتراجع داعش أسفرا عن إعادة تشكيل شامل للجهاد في منطقة الساحل، حيث بات يعتمد على التجنيد المحلي وعلى قادة محليين. وهكذا، أصبح للإرهاب في الساحل وجه جديد: فما هي معالمه؟ وما هو مذهبه؟ وما هي أهدافه وعوامله المحركة؟ وما الذي يميز هذا النموذج الثالث عن النماذج التي سبقته؟
حرب أفغانستان ونشأة تنظيم القاعدة -
نشأت موجة الإرهاب التي يواجهها العالم اليوم كظاهرة عالمية في تسعينيات القرن الماضي بعدما تحول المجاهدون الأفغان (الأفغان العرب) إلى منظمة دولية للإرهاب تحت دافع عقائدي للعديد من المنظرين منهم عبد الله عزام، وتحت إشراف أسامة بن لادن.
وهكذا، وجدت مختلف الحركات المتطرفة، التي كانت إلى ذلك الوقت تنشط على أصعدة وطنية، في الجهاد ضد الجيش السوفياتي الذي غزا أفغانستان، قضية ساعدت في توحيد صفوفها كوحدة دولية تحت لواء موحد يمثل نضال المسلمين ضد غزاة "كفار".
وشهدت حرب أفغانستان نشأة أول جيل من المحاربين الدوليين في صفوف الجهاد تحت شعار القاعدة . هذا الجيل الأول كان انبثاق عن البنية التي أسستها وباركتها وعملت على تدريبها الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان والمملكة العربية السعودية. خلال حرب الخليج الأولى، انفصلت هذه البنية عن انتمائها العقائدي الأول وتمردت على مؤسسيها ومعهم على جميع دول العالم، بما في ذلك البلدان المسلمة التي لا تتبنى رؤيتها للإسلام.
وعند فشل محاولة جعل أفغانستان قاعدة لإطلاق عملياتها بسبب التدخل الأمريكي الذي عزل طالبان عن السلطة، تبعثر مقاتلو القاعدة والتحقوا بجبهات أخرى، مثل البوسنة، أو عادوا إلى بلدانهم الأصلية حيث كانت مهمتهم محاربة الأنظمة في بلدانهم بل وارتكاب هجمات في البلدان التي يعتبرونها حليفة لتلك الأنظمة. ولعل عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم هي السبب وراء بروز جماعات محلية جديدة منتسبة إلى تنظيم القاعدة، أكثرها شهرة الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) في الجزائر، و الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية (GICM) والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية (GICL)، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وجماعات ومجموعات صغيرة أخرى. ولئن كان تنظيم القاعدة قد اتخذ شكل شركات ذات حق الامتياز التجاري المنتشرة عبر العالم، فإن تنظيمها المركزي يحتفظ بقدرة على تنسيق الهجمات عبر العالم كما أكدت ذلك هجمات 11 سبتمبر 2001.
اجتياح العراق ونشأة داعش -
استفاد مقاتل سابق في أفغانستان، أبو مصعب الزرقاوي، من الفوضى التي عقبت الاجتياح الأمريكي للعراق ليشكل جماعة إرهابية، كانت في البداية مرتبطة بتنظيم القاعدة لكنها على مر الأحداث وتحت تأثير الظروف الخاصة بالعراق، بدأت تطور مذهبها الخاص المرتكز أساسا على التنظيم كدولة ومحاربة الشيعية. وبعد وفاة الزرقاوي، تحول التنظيم إلى "الدولة الإسلامية في العراق"، ثم إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشرق" قبل أن يعلن عن اسمه "الدولة الإسلامية" المعروفة أكثر بالاختصار "داعش. فلم يصبح هذا التنظيم منافسا للقاعدة فحسب بل بات عدوها اللدود، خاصة بعدما أعلن في يونيو/حزيران 2014 عن نشأة الخلافة في إقليم متاخم لسوريا والعراق.
وهكذا، أصبح التنظيم يجند ويجذب إلى كنفه الآلاف من الشباب المتطوعين للجهاد، من بلدان عربية ومسلمة كما كان يفعل تنظيم القاعدة بل وكذلك من بلدان أوروبية وأمريكية ومن بين الفئات غير المسلمة أيضا.
واعتمد التنظيم على مُنظِّرين جدد لتطوير خطاب جديد، ومذهب جديد وطموحات جديدة. وتميز التنظيم عن القاعدة وشهد ولادة جيل جديد من المجاهدين، لم تطأ أقدام معظمهم أفغانستان أبدا ولم يعرفوا أبدا تنظيم القاعدة. وكان مسرح أعمالهم يقتصر على سوريا والعراق. إلا أن هذا الجيل الجديد اتسم بمشاركة قوية للنساء في الجهاد وبنسب لا نظير لها. وعلى خلاف مجاهدي القاعدة الذين كان ينتقلون إلى بؤر النضال كعزاب، كان بإمكان مقاتلي الجيل الجديد أن يسافروا مع أسرهم.
حرب التنظيمين في أفريقيا -
كانت القارة الأفريقية إحدى البؤر التي شهدت المنافسة، بل وكذلك الحرب بين التنظيمين، حيث كانت داعش تحاول التوغل في العديد من البؤر لاستقطاب المجموعات المنتسبة إلى تنظيم القاعدة.
في الساحل، أدانت بعض التكوينات المنتسبة سابقا إلى تنظيم القاعدة، بالولاء إلى داعش (عدنان أبو الوليد الصحراوي)؛_
في إقليم بحيرة التشاد، غير تنظيم بوكو حرام موقفه للانخراط في صفوف الدولة الإسلامية؛_
في ليبيا، عبرت بعض العصابات عن ولائها للتنظيم الجديد، _
وفي سيناء، أطلق أنصار بيت المقدس على أنفسهم اسم الدولة الإسلامية في سيناء._
وبدت القاعدة في وضعية دفاعية حيث كانت تحاول الاحتفاظ بفروعها التي كانت تنجذب بشكل متزايد لهذا المذهب الجديد.
وبدا توجه تنظيم القاعدة صامدا في أفريقيا ضد هجمات منافسه لدرجة أنه كان يعطي انطباعا بأنه بشكل عام وعلى الرغم من بعض المظاهر والتجمعات الظرفية، لا يمكن لداعش أن تحل محل تنظيم القاعدة في أفريقيا :
عدنان أبو وليد الصحراوي، الذي لم يُقبل ولاءه لداعش إلا في وقت لاحق، لم يشكل أي خطر أمام المجموعات الأخرى المتحالفة مع تنظيم القاعدة؛_
سارع المعلم الروحي لجماعة بوكو حرام إلى سحب ولائه لداعش عندما حاول التنظيم تعيين أمير جديد (البارناول_, (Al Barnaoul))؛
ولاء جماعة الشباب لتنظيم القاعدة لا يعتريه أدنى شك، ولم يتم التشكيك فيه في الماضي أيضا؛_
باءت محاولة داعش للاستقرار في مدينة سرت بليبيا بالفشل نظرا لغياب المؤيدين والافتقار إلى قاعدة شعبية،_
لم يجد الصراع السني/الشيعي، أحد المكونات الأكثر أهمية في المذهب الداعشي، مكانا له في أفريقيا. ولئن كانت بعض الدول تحتضن فعلا الطائفتين، يبدو أن العداوة لم تشق طريقها بعد لتعارضهما._
ومن ناحية أخرى، أدى فشل تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق وإعلان عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، لا سيما الأفارقة وبالتحديد من المغرب العربي، إلى إعادة طرح فكرة استقرار "الدولة الإسلامية" في الساحل بالتحديد وفي أفريقيا بشكل عام. وتضمنت الفكرة في حد ذاتها على فرضية أخرى: ألن تؤدي عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى تعزيز صفوف القاعدة بدلا من المساعدة في استقرار تنظيم داعش؟ إلا أننا نلاحظ عند تدارس المحور الزمني لتطور تنظيم القاعدة في الساحل وأفريقيا أن مذهب القاعدة لا يشكل في حد ذاته سوى خلفية للمشهد الإرهابي الساحلي الأفريقي، وعلامة تجارية تستخدمها الجماعات التي لا تتقاسم أحيانا مع القاعدة أي نقطة مشتركة ما عدا اللجوء إلى الرعب والترهيب. ويتسم الإرهاب في منطقة الساحل بتطور عبر مراحل يمكن تمييزها وفقا لتحول البنيات. ويتخلل هذا التحول العديد من اللحظات والحلقات (انظر الرسم البياني أدناه):
خلال المرحلة الأولى، كان الإرهابيون اللاجئون في شمال مالي ينحدرون من المغرب العربي، وكانت القيادة مغاربية والجنود أيضا؛_
مع عمليات التجنيد المحلية المكثفة ما بين عام 2003 وعام 2007، انتقلنا نحو وضع ظلت فيه القيادات مغاربية والجنود في معظمهم من منطقة الساحل._
نحن اليوم في فترة يتحول فيها التطرف العنيف في الساحل إلى عنف ساحلي سواء بالنسبة للقيادة أو المقاتلين._
في أماكن أخرى غير الساحل، حتى الهياكل التي تدَّعي الانتماء إلى تنظيم القاعدة أو داعش تتكون من أفارقة سواء على مستوى قمة الهرم التراتبي أو القواعد القتالية._
وبالتالي، ألا يعكس الغياب الأولي أو الاختفاء التدريجي للعنصر الأفريقي العربي والمغاربي تحولا في مظهر الإرهاب عند احتكاكه مع القارة الأفريقية؟ هل هذا مجرد انتقال لهذه الظاهرة من بؤرها العربية المغاربية نحو أقاليم أفريقيا جنوب الصحراء أم أنه تغيير حقيقي ينبئ بعصر جديد من الإرهاب أو بنشأة نموذج جديد؟
هل يرتكز الإرهاب المتواجد اليوم في أفريقيا إلى نفس المبادئ والمذهب التي يقوم عليها الإرهاب الشرق أوسطي والمغاربي أم أنه بلغ مرحلة تمكنه من التواجد كظاهرة جديدة ومستقلة بذاتها؟ هل يعبر عن نفس المطالب أم يستمد جذوره من قضايا وظروف أخرى؟
هل ينسب الجهاديون الذين ينشطون في أفريقيا اليوم أنفسهم إلى تنظيم القاعدة أم إلى تنظيم داعش؟ أم هل نواجه اليوم جيلا آخر من المقاتلين المتطرفين؟ (انظر الرسم البياني، رقم 2).
تحاول هذه الوثيقة تقديم إجابات عبر افتحاص الأشكال الحالية لإرهاب جنوب الصحراء ومن خلال استعراض مختلف مراحل تطوره. وتلوح في أفق هذا التحليل إمكانية الخروج باستنتاج مفاده أننا ربما أمام نشأة جيل ثالث من الإرهاب العالمي. هل هذا ممكن؟ وإن كان الأمر كذلك، فما هي خصائصه؟ ما هو مذهبه؟ ما هي مقاصده والعوامل التي تحركه؟ وما الذي يميزه عن الحركات الجهادية السابقة؟
1998/2007، تنظيم القاعدة يستقر في شمال مالي .I
في البداية كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC)
في نهاية تسعينيات القرن الماضي، أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC) عن تجمع بعض الفئات الناجية من الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) تحت هذه التسمية الجديدة. وتلقت هذه المجموعة انتقادات بسبب أسلوبها القريب من الهجرة والتكفير، ذلك المذهب الذي سمح بقتل سكان مدنيين. وفي عام 1998، تم تعيين حسن حطاب، الذي استقل عن الجماعة الإسلامية المسلحة منذ عام 1996، أميرًا للجماعة السلفية للدعوة والقتال.
وفي ذلك العام، أي 1998، أنشأ بن لادن الهيئة الدولية للجهاد تحت اسم: "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين"، والتي ضمت - بالإضافة إلى أعضاء "لجنة الجهاد "التي أسسها أيضا بن لادن في 1989 - الجهاد المصري، وجمعية علماء باكستان، والأنصار والجهاد البنجلادشي علاوة على الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC) الجزائرية.
وشهد عام 2003، بعد اختطاف اثنين وثلاثين من السياح الأوروبيين في الصحراء الذي دام لعدة أشهر، اختفاء الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) واستبدالها بالجماعة السلفية للدعوة والقتال من جهة، وتحرك العمل الإرهابي نحو الجنوب بعد ما كان مرتكزا في الجزائر بشكل أكثر على جنوب شرق إقليم الجزائر العاصمة ومنطقة القبائل، من جهة أخرى.
ولعل أهم عنصر في التحولات التي شهدها الإرهاب تحت قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال هو التوغل في أقاليم مالي. وبالفعل، أفرج في مالي عن الرهائن الأوروبيين الذين اختطفوا في الجزائر في فبراير 2003. ومنذ هذه القضية، تواترت هجمات الجماعة السلفية للدعوة والقتال في شمال مالي.
وفي يوليو 2005، كشف الاشتباك العنيف بين الجيش الجزائري ومجموعة صغيرة تابعة للجماعة السلفية للدعوة والقتال على التراب المالي قرب الحدود الجزائرية، أن مختار بلمختار، الذي تم الإبلاغ عن عملياته منذ عام 1993 في منطقة غرداية (حيث كان قد أسس "كتيبة الشهادة")، تحرك نحو الجنوب وأقام مقره الرئيسي في شمال مالي، وتحديدا في منطقة تومبوكتو. ولئن كان البعض يصر على أن هذا المقاتل السابق في أفغانستان قد نجح في تسخير أعماله الاحتيالية ومختلف أنشطته للاتجار في السلع لخدمة علاقاته مع القبائل في شمال مالي، فإن البعض الآخر يستند إلى شهادات أشخاص مقربين من بلمختار للتأكيد على معارضته للاتجار في أي منتجات "حرام"، يحظرها الدين . لكن ما لا يختلف بشأنه العديد من الباحثين والمحللين والخبراء بالإضافة إلى أشخاص يعرفون هذا الرجل حق المعرفة، هو قدرته على تطوير علاقات أسرية قوية مع القبائل من خلال الزواج من بناتهم . فضلا عن الحماية التي خولتها هذه الروابط للجماعة الإرهابية، فإن إدماج المقاتلين الجزائريين في مجتمع شمال مالي ساعدت الأمراء الإرهابيين أيضا في تجنيد الشباب المحلي من خلال إشراك شباب المنطقة العاطلين في أعمالهم. إلا أن هذا التوغل في شمال مالي لم يكن من صنيع مختار بلمختار وحده، حيث تبنّى أمراء جزائريون آخرون نفس الأساليب التي استعملها للاستقرار في شمال مالي.
نتج هذا التوجه نحو مالي عن الأمراء في الجماعة السلفية للدعوة والقتال الذين تسببوا في الانشقاق عن الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) ليظلوا مخلصين للمذهب الأصلي؛ أي مذهب تنظيم القاعدة. وتتألف القيادة في معظمها من مقاتلين سابقين في أفغانستان فهموا أن التكفير (اللعنة) يخص مؤسسات الدولة، الكافرة من وجهة نظرهم، وبالتالي لا يمكن أن يؤدي إلى قتل السكان الذين لا حول ولا قوة لهم أمام عنف الأنظمة. وهذه هي النقطة التي اختلف بشأنها المؤسسون الأوائل للجماعة السلفية للدعوة والقتال والمجموعة الإسلامية المسلحة فانفصلوا في أواخر تسعينات القرن الماضي . ولعل تسامح زعماء الجماعة السلفية للدعوة والقتال تجاه السكان، حتى وإن لم يكونوا ملتزمين بإسلام صارم، بالإضافة إلى سخائهم، هو ما سمح لهم بالتحالف مع سكان شمال مالي. واستقرت جماعة إرهابية موالية لتنظيم القاعدة في شمال مالي، وكان الأمراء جزائريون، و90% من المقاتلين من الجزائريين، أما مذهبها فمغاربي- شرق أوسطي.
يتأكد توجه تنظيم القاعدة ويتواصل زحفه نحو الجنوب
في 26 يناير 2007، غيرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC) اسمها وأصبحت تدعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQMI). وكان أيمن الظواهري، الملازم الأول لبن لادن سابقا، قد أكد انتساب الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى المركزية الإرهابية عبر الإعلان عن ولائها منذ سبتمبر 2006. وسعيا من هؤلاء المتطرفين إلى التميز عن التسمية السياسية التي أعطاها القادة السياسيون المسؤولون عن تأسيس اتحاد المغرب العربي (UMA)، أطلقوا على المنطقة اسم المغرب الإسلامي بدلا من المغرب العربي. فهل كان غرضهم من ذلك ببساطة هو الابتعاد عن السياسة أم أن هنالك أسباب أخرى أعمق؟
تتلخص إحدى نقاط الاختلاف بين الوهابيين وتنظيم القاعدة في الهيمنة التي يطمح المذهب الوهابي إلى تحقيقها في المنطقة العربية الإسلامية ويتعارض تنظيم القاعدة مع هذا المبدأ._
من الممكن أيضا أن يعتبر تنظيم القاعدة أن منطقة المغرب الإسلامي المتواجدة في مخيلته لا تتوافق مع نفس المجال الذي يطلق عليه السياسيون تسمية المغرب العربي. فبالنسبة لأمراء الجماعة السلفية للدعوة والقتال، يمتد نطاق المغرب الإسلامي إلى منطقة الساحل، حيث ليست الساكنة برمتها من العرب._
لعل تسمية المغرب الإسلامي بدلاً من المغرب العربي تُلمح إلى طموح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لتوسيع أنشطتها إلى ما وراء المنطقة المعروفة بالمغرب العربي._
أصبحت العلاقة بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتنظيم القاعدة مؤسساتية، بعدما ظلت غير رسمية إلى غاية عام 2007. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا التغيير في المسار، الذي وضع الجماعة السلفية للدعوة والقتال رسميا تحت لواء تنظيم القاعدة، طرأ بعد أن حطت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الرحال في منطقة الساحل، وأقامت قواعدها على مسافة ما فتئت تبعد عن الجزائر: وهذا مؤشر آخر عن طموح إضفاء الطابع الإقليمي على آفة كانت قبل ثلاث سنوات لا تخص سوى الجزائر .
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها أمراء الجماعة السلفية للدعوة والقتال لتجنيد الشباب من بين القبائل المحلية، لا يزال الجزائريون يهيمنون على الهياكل الجهادية سواء على مستوى القيادة أو المقاتلين. وبالتالي، قد يرمي هذا الولاء وتغيير التسمية إلى تحقيق أهداف من بينها تعزيز جاذبية هذه الجماعة عبر تبني علامة أكثر جاذبية من اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي يفترض أنها تخص الجزائريين فقط.
وبغض النظر عن الاختلافات حول الفئات التي يستهدفها الإرهاب، والوسائل القانونية أو غير القانونية للتمويل (من منظور الشريعة) والقضايا الفقهية الثانوية، يظل مذهب تنظيم القاعدة سائدا مع إصدار فتاوى ضد الغرب تحرض على محاربة العدو القريب المتمثل في الأنظمة الكافرة، والعدو البعيد الذي تشكله القوى الغربية التي تدعم تلك الأنظمة.
ومن ناحية أخرى، ساعدت أزمة عام 2012 في شمال مالي في إدماج أفضل للعناصر المحلية في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث أكد طوارق أنصار الدين، الذين استقلوا عن الانفصاليين في الحركة الوطنية لتحرير أزواد من خلال الدعوة إلى تحرير شمال مالي عبر الجهاد، التحالف بين الساكنة المحلية في شمال مالي والأمراء القادمين من الجزائر. وهكذا، تأكد التوجه إلى تجنيد ساكنة منطقة الساحل ضمن القوات الإرهابية من خلال نشأة حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا (MUJAO) وبدأت الحملات الإرهابية تزحف انطلاقا من الحدود بين الجزائر ومالي نحو الجنوب عن طريق رسم خارطة فضاء بات يشمل كل شمال مالي.
تأكد توجهان رئيسيان يلخصان تطور حلفاء تنظيم القاعدة:
العنصر البشري الذي كان في البداية جزائريا بشكل أساسي أصبح ساحليا بشكل متزايد وسريع على مستوى القوات والقيادة أيضا؛_
توسع رقعة المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين أكثر فأكثر نحو الجنوب وصولا إلى ميناكا (Ménaka) وباتت تهدد حتى موبتي (Mopti) جنوب نهر النيجر ._
ومن جهة أخرى، أطلقت عملية سيرفال (Serval) بناء على طلب من الرئيس المالي بالنيابة، واستمرت لمدة سنة كاملة ساعدت في تفادي الأسوأ: سيطرة قوات إياد أغ غالي على باماكو. وتم استبدال هذه العملية في وقت لاحق بعملية برخان (Barkhane). وفي عام 2014، استعادت مالي أنفاسها حيث انتشر المحتلون الإرهابيون، الذين تكبدوا خسائر هامة، في البلدان المجاورة، لا سيما في ليبيا. وظن مالي أن بإمكانه إعادة تشكيل وبناء البلاد... لكننا، سنعود إلى هذه المسألة في الفصول الموالية.
2014/2015: وصول تنظيم داعش.II
في يونيو 2014، أعلن أبو بكر البغدادي عن تأسيس الدولة الإسلامية على أراضي متاخمة لشمالي غرب العراق وشمالي شرق سوريا وعن عودة نظام الخلافة الذي اختفى في أوائل القرن الثالث عشر. ولئن بدأت هذه الدولة الجديدة فتوحاتها في العراق وسوريا، فإنها تنوي العودة إلى الفضاء الذي كانت تشمله الخلافة في العصر العباسي على الأقل (انظر الخريطة أدناه). بل إن الفضاء الذي تطمح إلى ضمه للخلافة يمتد من أفغانستان إلى المحيط الأطلسي ويشمل، بالإضافة إلى جنوب أوروبا، كل المنطقة الشمالية في أفريقيا.
خريطة تبنتها داعش لتجسيد الأراضي التي ستغزوها الخلافة.
وهم استيطان داعش في منطقة الساحل وإقليم بحيرة تشاد
تجاوزت الاختلافات بين تنظيم القاعدة وداعش في الشرق الأوسط الإطار المذهبي المحض لتتحول إلى نزاع مسلح يتقاتل في إطاره التنظيمان. وهكذا، التحقت عدة مجموعات كانت في السابق تنتمي إلى تنظيم القاعدة، بــــــــــــ "الدولة الإسلامية"، خاصة وأن قوى تنظيم القاعدة تلاشت عقب وفاة بن لادن، وتضاءلت موارده. على عكس تنظيم داعش المعلن عنه كمنظمة ثرية بفضل الأموال المحصلة من بنوك الموصل وكذلك من عائدات تهريب النفط من الآبار التي تسيطر عليها. علاوة على ذلك، يبدو أن جاذبية المنظمة تتزايد بفضل انتصاراتها المتواصلة.
ولم يمر وقت طويل حتى بلغ هذا الجانب إلى المنظمات المتطرفة في شمال إفريقيا والساحل:
في غشت/أغسطس 2014، قدم أبو بكر شيكاو المعلم الروحي لحركة بوكو حرام، الولاء لداعش وأعلن أن الأراضي التي تقع تحت سيطرته أصبحت محافظة تابعة للدولة الإسلامية (محافظة الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا). وكأول نتيجة لهذا الولاء، بدأت التقنيات الدعائية لداعش تظهر لدى بوكو حرام من خلال_ نشر أولى الفيديوهات. وكانت حركة بوكو حرام، حتى عام 2014، على اتصال بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي AQMI)).
في سبتمبر 2014، أعلنت مجموعة من الإرهابيين المعارضين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن إنشاء منظمة مسلحة جديدة تدعى "جند الخلافة في الجزائر"، معلنة بذلك عن ولائها للدولة الإسلامية – داعش.
أصبح غوري عبد المالك، المعروف أيضا باسم أبو خالد سليمان، رئيس هذه المجموعة المنفصلة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأعلن عن ترأس جماعة "جند الخلافة في الجزائر" بعد اتهام تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "بالانحراف عن الطريق المستقيم". وأعلن خالد أبو سليمان متوجها لأبي بكر البغدادي، قائلا: "لديكم في المغرب الإسلامي رجال سيطيعون أوامركم".
وفي 14 ماي 2015، أعلن عدنان أبو وليد الصحراوي، شريك مختار بلمختار في الجماعة الجهادية "المرابطون" عن ولائه لتنظيم الدولة الإسلامية في تسجيل صوتي بثه على الإنترنت الوكالة الموريتانية الخاصة "الأخبار". وفي اليوم الموالي، نشر رئيس جماعة المرابطين إنكارًا وأكد ولاء جماعته لتنظيم القاعدة. من جانبه، لم يول الخليفة أبو بكر البغدادي اهتماما كبيرا لولاء عدنان أبو وليد ولم يصدر أي بلاغ بقبول الولاء، الذي وفقا لممارسات التنظيم، يضفي الطابع الرسمي لفروض الولاء المقدمة له.
تنظيم القاعدة يأخذ بزمام الأمور من جديد:
وانطلاقا من هذه السلسلة من الولاء للإعلان عن تلاشي قوى تنظيم القاعدة أو حتى نهايته في منطقة الساحل وفي إقليم بحيرة تشاد، كانت هنالك خطوة فقط لم يتردد البعض في اتخاذها، خاصة وأنه كان يبدو أن التنظيم الذي استقر في ليبيا بعد الاستيلاء على مدينة سرت يتوفر على إمكانيات الاستقرار في شمال إفريقيا والساحل. لكن، لم يؤخذ الترسخ العميق لتنظيم القاعدة في إقليمين بالحسبان:
سرعان ما اختفت جماعة جند الخلافة بعد بعض الانقسامات؛_
اعتبر ولاء عدنان أبو وليد شبه مرفوض بسبب عدم اعتراف داعش به؛_
سرعان ما قام أبو بكر شيكاو، الذي خاب أمله بعد تعيين داعش لأمير جديد في إقليم غرب أفريقيا ، بسحب ولائه للدولة الإسلامية ليعود إلى حضن تنظيم القاعدة؛_
بدا تنظيم داعش، بعد فشله وإزاحته خارج سرت، غير قادر بشكل متزايد على الاستقرار في شمال أفريقيا والساحل، نظرا لافتقاره إلى قاعدة شعبية في هذه المنطقة. كما أن صرامته الوهابية لم تتناسب مع المذاهب المنتشرة على نطاق واسع ولم تجد طريقته التكفيرية للمؤسسات والمجتمع، والتي كانت تمكنه من مهاجمة _المؤسسات والساكنة، من يؤمن بها داخل مجتمعات المنطقة.
تزامنت المعيقات التي واجهها تنظيم داعش في شمال إفريقيا والساحل مع الخسائر التي تكبدها في الشرق الأوسط. وبحلول نهاية عام 2016، بدا التنظيم يتخلى بشكل متزايد عن فكرة الاستيطان الإقليمي الذي زاد من جاذبيته، ليصبح مجرد تسمية إيديولوجية يستخدمها أفراد وجماعات صغيرة لارتكاب هجمات في أوروبا.
في الساحل، اتضح منحنيان للتطور: أولها يشير إلى تراجع تنظيم داعش والآخر إلى إعادة تشكيل تنظيم القاعدة. وبالفعل، أصبحت الجماعات المنتسبة لتنظيم القاعدة في الساحل تنشط بشكل متزايد وتبدو أفضل تنظيما.
وفي مارس 2017، تشكلت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM )، تحت لواء إياد أغ غالي، الذي لم يُخف أبدا ولاءه لتنظيم القاعدة. وقبل ذلك، كانت سلطة أبو بكر شيكاو على جماعة بوكو حرام قد بدأت تتراجع وأصبح البارناول الأمير الذي عينه تنظيم داعش مجرد شبح.
هل نشهد اليوم جيلا ثالثا من العنف في الساحل؟. III
تملك الساحل للجهاد: مجموعة جديدة وتشكيلة جديد.
في 2 مارس 2017، نشرت على الشبكات الاجتماعية صورة (انظر أدناه) تمثل إياد أغ غالي، زعيم أنصار الدين، محفوفا بممثلي أربع منظمات جهادية أخرى تنشط في منطقة الساحل. وكان زعيم الطوارق محاطًا بـكل من:
أبو الهمام قائد إمارة الصحراء، المنطقة العسكرية التاسعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQMI) ؛
أمادو كوفا، قائد لواء ماسينا، كتيبة أنصار الدين الفولانية؛_
الحسن الأنصاري، الشخصية الثانية في حركة "المرابطون" بقيادة الجزائري مختار بلمختار،_
عبد الرحمن صنهاجي، قاضي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي._
أُعلن في الفيديو الذي استخرجت منه الصورة عن إنشاء تحالف "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، المنبثق عن دمج أربع جماعات، متواجدة بالفعل في المنطقة. ويعتبر هذا التحالف أكبر تجمع للإرهابيين عرفته المنطقة.
ولا يمكن التغاضي عن تأسيس هذه الجماعة " جماعة نصرة الإسلام والمسلمين " (JNIM) لأن لهذا الحدث أهمية تستحق التدارس:
أولاً من الناحية التنظيمية، تستحق هذه الجماعة التفكير والتأمل، حيث تم توحيد العديد من المجموعات تحت لواء رجل من منطقة الساحل، وهو إياد أغ غالي. وهذا الأمر يشكل أول قطيعة مع العرف السائد منذ استقرار العنف المتطرف في منطقة الساحل، إذ كان كبار قادة الجهاد دائماً جزائريين . وأصبحت الشخصية _
الأقوى والأهم شخصا من طوارق مالي؛ يسانده مواطن أصلي محلي "أمادو كوفا"، أمير كتيبة ماسينا. ولعل اختيار إياد أغ غالي قائدا للحركة الجديدة ووجود أمادو كوفا أكبر دليل على تطور ساحلي لترسيخ هذه الحركة في النسيج الاجتماعي المحلي والإقليمي لدى اثنين على الأقل من الساكنة الإثنية وهما الطوارق والفولاني.
في النسخة الفرنسية، استخدم مصطلح "دعم _ " (soutien) لترجمة معنى مصطلح "نصرة" في اللغة العربية. إلا أن مصطلح "دعم"، وإن كان يترجم المعنى، فإنه لا يفي بجوهر الفكر الديني، الإسلامي تحديدا. فالجذر اللغوي "نصر" (nsr) في اللغة العربية يعني الانتصار. ومصطلح "نصرة" المشتق من هذا الجذر يعني التقوية، الدعم والمساندة لتحقيق الانتصار. وهكذا، يرمي استخدام مصطلح "نصر" (soutien) إلى تحقيق هدف محدد، وهو الفوز بالانتصار على قوات العدو. عامة، يتوقع النصر من عند الله، لكن الإسلام يحث المسلمين على نصرة إخوانهم المقاتلين. وقد استخدمت العديد من الجماعات هذا المفهوم في شعاراتها: النصرة في سوريا، أنصار (الإسلام في بوركينا، بيت المقدس في سيناء، الشريعة في تونس وليبيا)؛ لكن هذه هي المرة الأولى التي تتعدى فيها النصرة من أجل الانتصار نطاق هدف محدد لا يمكن أن يكون موجها للإسلام والمسلمين عمومًا.
على خلاف تنظيم داعش الذي آمن، بعد ضم بعض الأقاليم، أنه شرع في تحقيق الإنجازات والانتصار بعد تأسيس الخلافة، سعى الساحليون إلى العمل من أجل تحقيق انتصار كان بعيد المنال. فبالنسبة للمجاهدين في الساحل، لم يحن الوقت بَعدُ لإقامة الخلافة_.
وفقا للتسمية الجديدة، لم تعد النصرة التي تقدمها الجماعة تستهدف المجاهدين فحسب، بل الإسلام بشكل عام والمسلمين برمتهم. هل تهدف هذه الخطوة إلى محو كل الانقسامات بين الفصائل الإسلامية، السنة، والشيعة، والقاعدة، وداعش، والوهابيين، والإخوان المسلمين أو غيرها؟ ويبدو أن الجانب التكفيري الشامل _(المؤسسات والمجتمع) لم يجد له مكانا في مبادئ التشكيلة الجديدة. وهكذا، نجا السكان المسلمون، الذين يحتاجون إلى النصرة (بمعنى الدعم) لتحقيق الانتصار، من اللعنة التي لا يخص سوى المؤسسات.
أشكال أخرى من القطيعة بين مذهب تنظيم داعش ومذهب تنظيم القاعدة.
تشكل المستجدات التي تتسم بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) مجرد جزء من مجموعة من نقاط الاختلاف بين الجماعة وممارسات تنظيمي القاعدة وداعش. علاوة على بعض الخطوط الفاصلة من الناحية المذهبية والتنظيمية (المشار إليها أعلاه)، بدأت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تطور سمات خاصة تميزها عن التنظيمين الإرهابيين التقليديين، وإن كانت هذه الجماعة، تستمر سطحيا في ادعاء ارتباطها بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والقاعدة:
نمذ تأسيس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مارس 2017، لم تتبن الجماعة أي عمل خارج منطقة الساحل وغرب إفريقيا. بطبيعة الحال، يتجاوز هذا النطاق الأبعاد الوطنية والمحلية دون أن يبلغ النطاق الدولي الذي يدعو إليه تنظيم القاعدة وداعش. فجماعة نصرة الإسلام والمسلمين تفضل الهوية الإقليمية (على الأقل من حيث الفضاءات التي تشملها أنشطتها). وحتى على مستوى هذا البعد، لم تسجل أي عمليات خارج منطقة الساحل (باستثناء الهجوم على منتجع "جراند بسام") على الرغم من طموحات الجماعة لتوسيع الجهاد في غرب أفريقيا. تركز معظم هجمات الجماعة حاليا على مثلث ليبتاكو غورما على الحدود الواقعة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو (انظر الخريطة أدناه).
(انظر الصورة أدناه). تبنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، منذ إنشائها، كل هجماتها. لم يعد الإبلاغ عن تلك الهجمات يتم من خلال بلاغات لدروكدال (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) أو لأيمن الظواهري (تنظيم القاعدة)، لأن من شأن ذلك أن يوحي إلى إرادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في التحرر من _تنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
خلال المقابلة التي أجراها إياد غالي مع صحيفة "المسرى" اليمنية في أبريل 2017، أشار إياد أغ غالي إلى بعض البلدان الإفريقية التي تمثل أعداء "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ولم يذكر أيا من بلدان المغرب العربي. ويتجلى هنا الاختلاف عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بشكل واضح للغاية. فجماعة نصرة الإسلام والمسلمين لا تهتم بالمغرب العربي ، بل تركز على منطقة الساحل وبعض دول غرب إفريقيا. وبالنسبة للدول الغربية، اعتبر إياد أغ غالي فرنسا العدو الأول لمنظمته. أما الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا أو المملكة المتحدة فاعتبرها أعداء فقط لأنها تساعد فرنسا في "عدوانها" على دول الساحل.
وفي المقابلة نفسها، أشاد إياد أغ غالي بـ "جماعة التبليغ والدعوة إلى الله"، وهي منظمة للوعظ والتبشير يعتبرها الجهاديون السلفيون، سواء في تنظيم القاعدة أو داعش، كتنظيم مائع._
بالنسبة لإياد أغ غالي، لا يطرح الاجتماع أو التعاون أو التعامل مع منظمات أخرى في الساحل أدنى مشكلة. ويعتبر نفسه فوق اعتبارات انقسامات تنظيم القاعدة/داعش، مؤكدا استعداده لدعم ومساندة بعضهم البعض ومساعدة أي منظمة أو فرد يتقاسم معه نفس النضال ونفس أعداء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. _وعندما طرح عليه سؤال حول الولاء لتنظيم القاعدة، أكد على بعض وجهات النظر المشتركة مع التركيز على خصوصيات الجماعة.
بعد الجهاد العالمي (القاعدة) والجهاد القطري (داعش)؛ الجهوية والتآكل: جمعية نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM).
حتى الآن، لم ينتج الإرهاب في منطقة الساحل أي أدبيات تحدد مذهبا مماثلا للأدبيات التي أنتجها منظرو تنظيم القاعدة أو داعش. ومع ذلك، يمكن الاستخلاص من التطورات الأخيرة والأحداث الميدانية، ومن طريقة عمل بعض المسؤولين وتصريحاتهم أن المبدأ التوجيهي للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل يتبنى مسارا مذهبيا مختلفا عن مذهب المركزيتين الإرهابيتين اللتين سبقتها.
وعلى الرغم من عدم وجود أساس أدبي، فإن ملامح المذهب الجهادي الجديدة بدأت تبرز جليا، وتتمثل في إضفاء طابع ساحلي على هذه الظاهرة. ولئن كان هذا المذهب يندرج في إطار الجهاد العالمي، فهذا لا يمنعه من تطوير سماته الخاصة:
وإن كان الجهاد الساحلي لا يتخلى عن فكرة احتلال إقليم ما، فإنه لا يعتبر ذلك الإقليم مِلكا له. فهو يفرض نفسه على الدول في نفس المناطق التي تشغلها ويستخدم تحالفه مع الساكنة المحلية كأساس لترسيخ قاعدته. وعلى عكس تنظيم داعش و إلى حد أقل تنظيم القاعدة، تعتقد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أن الساكنة _المحلية منخرطة في محاربة الأنظمة المحلية التي تدعمها من القوى العظمى (وبالدرجة الأولى، فرنسا). هذه الفئة المسلمة من الساكنة تحتاج إلى من يدعمها وينصرها وهذه هي المهمة الرئيسية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين: أي مساندة المسلمين (بمعنى الساكنة المسلمة) في محاربة الأنظمة الكافرة المتحالفة مع أعداء الإسلام.
من خلال هذا التناغم مع السكان، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى الانصهار في المجتمع حتى يتسنى لها إنجاز عمليات سواء في إطار المواجهة الكلاسيكية في المناطق القروية المنبسطة والأوساط الريفية أو في حرب العصابات داخل المدن (هجمات وعمليات إرهابية ضد رموز الدول والقوى الأجنبية). _ويفرض هذا المستوى من تكتيكات الانصهار داخل المجتمع والساكنة المحلية على جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أن تحصر عملياتها في منطقة الساحل لوحدها حيث يمكنها أن تستفيد من هذا الدعم. وفي هذا الصدد، لم تهاجم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أبداً أي أهداف خارج منطقة الساحل. فهي تغذي صراع استنزاف يؤتي أكله على المدى الطويل.
خلافا لتنظيم داعش أو تنظيم القاعدة الذين يدعيان تحرير الشعوب من الأنظمة الكافرة، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تحفيز الشعوب لمناهضة الأنظمة وإلى أن تصبح حاضنة لنوع من التمرد المؤسلم والشعبي، (انظر المقابلة مع إياد أغ غالي).
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين منظمة إقليمية، جعلت من منطقة الساحل وجزء من غرب إفريقيا مرتعها المفضل. بل حتى فكرة القتال ضد العدو البعيد (القوى التي تساعد الأنظمة في المنطقة) تنفذها الجماعة في منطقة الساحل وليس في أي مكان آخر. وعلى عكس تنظيم القاعدة أو داعش، فإن التنظيم الساحلي لا يحارب على هذا العدو البعيد إلا عندما يكون متواجدا في منطقة الساحل، ولا تذهب للبحث عنه في أي مكان آخر.
اقتبس الإرهاب الساحلي، الذي نشأ إثر اقتحام للأقاليم المالية من قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC) التابعة لتنظيم القاعدة ثم تعرض لمحاولة استحواذ من قبل تنظيم داعش، من هذين التنظيمين بعض عناصرهما التكتيكية والمذهبية. ومع ذلك ، فإنه بدأ يبتعد عن طبيعة المفاهيم الجهادية لكلا التنظيمين. ربما نشهد نشأة جيل جديد منفصل تماما عن الجيلين السابقين، يعتمد على الاقتراب من الساكنة، والابتعاد عن التطبيق الصارم للشريعة بغية تفادي التجاوزات والاعتداءات على الساكنة التي يسعى إلى التحالف معها. لذلك، يفضل الاقتصار على مناطق إقليمية محدودة بعيدا عن فكرة العولمة. هذا الجيل من شأنه أن يتمكن من جذب مقاتلين من المنطقة ولن يلجأ إلى تجنيد مرشحين من مناطق بعيدة. ويمكنه أيضا أن يحفز على نشأة تنظيمات أفريقية أخرى مماثلة. وإذا ما تعمم نموذج جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فإن الإرهاب خلال العامين المقبلين سيشهد نشأة العديد من التنظيمات الإقليمية، لا سيما في أفريقيا، التي لن تعلن ولاءها لا لتنظيم داعش ولا لتنظيم القاعدة.
ومن المتوقع أن يعتمد الجيل الثالث على تجميع التنظيمات الإقليمية الصغيرة، وأن يكون أكثر انتشارا بين الشعوب، ويستخدم مزيجا من تكتيكات الحروب وحروب العصابات وأن يتبنى عمليات استنزافية ضد الأنظمة المحلية.