التغيرات السياسية المقارنة في المغرب والمشرق، بعد سبع سنوات من قيام 'الربيع العربي'
إثر التطورات الأخيرة التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي اتسمت بالفوضى والحروب الأهلية والأداء الاقتصادي الضعيف، قام "مركز الدراسات والأبحاث" بنشر كتاب جماعي يتناول التطورات التي طرأت على المنطقة منذ "الربيع العربي". وقد تم إعداد هذا الكتاب الذي حمل عنوان "التغيرات السياسية المقارنة في المغرب والمشرق سبع سنوات بعد 'الربيع العربي'" تحت إشراف الأستاذ عبد الله ساعف، الزميل الأول بـالمركز ، أثناء مؤتمر تم عقده في ديسمبر 2016. وقد تناوب المؤلفون ذوي الخلفيات المتنوعة على تقديم نظرة موضوعية معينة حول المنطقة، كل حسب مجال خبرته
وتتناول هذه الإحاطة السياساتية "الربيع العربي" من حيث أهميته من أجل فهم الأحداث التي تميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم. وهي تنقسم إلى جزأين: يرسم أولهما صورة عن موجات الاحتجاجات التي انطلقت سنة 2011، بينما يعرض الجزء الثاني مختلف فصول الكتاب
هل من مستقبل للربيع العربي؟.I
لقد برز تعبير "الربيع العربي" سنة 2011، في إشارة إلى ثورات "ربيع الشعوب" التي عرفتها أوروبا سنة 1848. وترجع هذه الظاهرة إلى موجات تظاهر شعبية انطلقت من تونس لتصل إلى عدة دول في كل من المغرب والمشرق، بدرجات متفاوتة. وقد كان السبب في هذا هو أن العديد من الدول التي تأثرت بهذه الأحداث قد
تشاركت تاريخاً تميز بأنظمة استبدادية لم يعد في مقدور الشعوب تقبلها. ولم تكن الكثير من هذه الأنظمة قادرة على توفير الخدمات العامة الأولية (مثل الصحة والتعليم، إلى غير ذلك) لساكنتها، الأمر الذي أجج سعير التظاهرات الشعبية. إلا أن تركيبة الثورات وسياق بروزها يستوجب عدم تعميم التحليل على جميع الدول
وقد سلط "الربيع العربي" الضوء على مختلف مكونات المجتمعات والتحديات التي واجهتها هذه الفئات من أجل التعايش مع بعضها البعض. ونجحت الحركات الاحتجاجية في توحيد مواطنين لم يكن يجمع بينهم أي قواسم مشتركة، ولم يكن ممكناً اجتماعهم في سياق آخر. وقد نجد بين المتظاهرين أشخاصاَ من مختلف الطبقات الاجتماعية والانتماءات السياسية يرفعون شعارات تدعوا لتطبيق إصلاحات هيكلية على نظام الدولة، أو تسعى لإسقاط النظام الحاكم
دون ادعاء الشمولية في المقارنة، إلا أن الأسباب الكامنة وراء الانتفاضات الشعبية تعتبر متقاربة بين بلد وآخر، ولذلك تكررت العديد من الأسئلة في مختلف النقاشات، حيث تمحورت معظمها حول إصلاح نظام الدولة من أجل تلبية مطالب الشعوب فيما يتعلق بالحكامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ودولة القانون
كما ندد المتظاهرون بالأنظمة الفاسدة والحكومات غير الفعالة. لكن رغم أن الدول العربية قد تشاركت الأسباب الكامنة وراء اندلاع التظاهرات، تجدر الإشارة إلى أن هذه الأسباب لم تكن متشابهة كلياً. ففي تونس على سبيل المثال، لم تكن الوضعية السوسيو-اجتماعية لتُعرِّض البلاد لاحتجاجات محتملة. ففي ظل حكم بن علي، تمتع التونسيون بنظام تعليمي كان يعتبر من بين الأفضل على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن الطبقة الوسطى في المجتمع التونسي كانت من بين أكبرها مقارنة بالدول الأخرى. بالمقابل، كانت القيود المفروضة على حرية التعبير وسيطرة أسرة بن علي على الموارد، ضمن جملة من الأمور، من بين الأسباب التي دفعت التونسيين إلى الاحتجاج. أما في حالة مصر، فقد نددت التظاهرات في ميدان التحرير بعدم قدرة الحكومة على ضمان جودة الخدمات العامة للساكنة. كما استنكر المتظاهرون الطريقة التي سيطر بها الرئيس السابق حسني مبارك على البلاد دون حكمها فعلياً. وقد أضيف الفقر والبطالة إلى العوامل التي أججت استياء الشعب
وقد تتالت الأحداث بسرعة أخذت الأنظمة الحاكمة، والفاعلين الدوليين، على حين غرة. فقد كان من الصعب التنبؤ بنتائج مختلف الاحتجاجات، حيث تنوعت المطالب الشعبية وترددت الأنظمة في تقديم تنازلات. إلا أن ردود الفعل الدولية لم تتأخر في التعليق على طبيعة الأحداث
ولم يحر المعلقون في إيجاد التسميات لوصف هذه الأحداث، حيث قيل إنها ثورة، ومرة قيل انتفاضة أو احتجاج، وفي بعض الأحيان لم تتجاوز كونها مجرد مظاهرة بسيطة. وقد تنوعت ردود فعل الفاعلين الخارجيين في التصريحات والأفعال، حسب كل بلد، حيث ميزت هذه الديناميات بين الدول التي التزمت الحياد بخصوص الاحتجاجات، والدول التي أخذت موقفاً معيناً منها، وتلك التي تدخلت عن بعد أو بشكل مباشر على الميدان
وقد اعتبر الغرب ثورات "الربيع العربي" بمثابة صراع بين التطلعات الديمقراطية النابعة من الشعب القابع في أسفل السلم، وبين الديكتاتوريات المفروضة من الأعلى ، فيما لم تبد روسيا أي رد فعل، وامتنعت عن اتخاذ أي موقف. وقد عرف الموقف الروسي تحولاً فيما يتعلق بالعالم العربي في ليبيا، عندما أدانت روسيا التدخل الغربي مشبهة إياه باستئناف للتدخل الأمريكي في العراق سنة 2003. كما أنها عبرت عن معارضتها الشديدة لأي تدخل أجنبي في سوريا
ولا شك أن فورة "الربيع العربي" قد تعززت عبر الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة في مصر وتونس. فقد كان المواطنون ينظمون أنفسهم عبر الإنترنت من أجل التخطيط للتظاهرات ويستخدمون وسائل التواصل الافتراضية من أجل تبادل الآراء ومناقشة المواضيع السياسية المهمة في بلدانهم. كما شكلت شبكات التواصل الاجتماعي منصة تحاور غير خاضعة للرقابة تمكن المواطنون عبرها من التعبير عن تطلعاتهم الديمقراطية دون الخوف من انتقام الحكومات الأكثر استبدادية
صحيح أن المطالبات بالديمقراطية لطالما كانت موجودة، لكن لم تتم المناداة بها بشكل حقيقي إلا بفضل تنظيم شعبي أفضل على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد منحت هذه المواقع صوتاً لمن لا صوت لهم وسمحت لهم بالتعبير عن آرائهم، في وقت لم تتوفر فيه البلاد على منصة لاستقبال الأصوات المعارِضة. وقد أظهرت دراسة أجراها "مشروع تقنية المعلومات والإسلام السياسي" ، عبر ثلاث خلاصات توصلت لها، أن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن سهلاً تجاهله. وفي الواقع، برهنت واحدة من الخلاصات الثلاث أن المظاهرات التي عرفت تجمع حشود كبيرة قد سبقتها محادثات ثورية تمت عبر الإنترنت
ومع أن الأحداث التي وصفناها أعلاه قد حدثت قبل سبع سنوات، يظل هذا الموضوع حاضراً في الأذهان والنقاشات. فقد أدت الحركات المعارِضة والثورية والتمردية بل وحتى الاحتجاجات الشعبية إلى نتائج مختلفة حسب خصوصيات كل دولة؛ فقد حققت بعض الدول تقدماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بينما لم تصل دول أخرى إلى النتائج المرضية بالنسبة لشعوبها
ففي دول معينة، تم استبدال الأنظمة الاستبدادية بهيئات سياسية جديدة. ونحن نميز هنا بين أربعة أنواع من النتائج التي حققتها البلدان العربية؛ فهناك الدول التي اختارت تطبيق إصلاحات من أجل تخفيف التوترات الاجتماعية، وتلك التي قررت اللجوء للقوة من أجل قمع التظاهرات، كما توجد تلك التي شهدت سقوط النظام الحاكم، فيما الأخيرة تقدم نموذج "الربيع العربي" الذي أدى إلى حرب أهلية
لكن إذا كانت تونس ومصر أو حتى المغرب من بين الدول التي عرفت تغييرات جوهرية، فإن دولاً أخرى قد شهدت بعض مظاهر الإصلاح، فيما تخبطت أخرى في أحداث ما تزال تداعياتها حاضرة حتى يومنا هذا. كما أن أحداث سنة 2011 قد وضعت دور الدولة في الاستجابة للمطالب الاجتماعية في موضع شك. إن الشعوب تحدت الدول حتى تقوم هذه الأخيرة باتخاذ الخطوات المناسبة من أجل إصلاح المؤسسات وضمان رفاهية المواطنين
ولطالما عملت تونس، التي تعتبر دائماً نموذجاً للديمقراطية، على التحرر من إرث نظام بن علي، بينما تتجاوز تداعيات الأزمة في ليبيا حدود البلاد، لتمتد إلى الساحل والبحر الأبيض المتوسط. أما في حالة سوريا، فالبلاد لم تعرف تغييراً في النظام، لكن الوضع يظل غير مستقر مع تكبد البلاد لخسائر بشرية مهمة. وبالنسبة لمصر، فقد أعادت النظام السابق، حيث إن رئيسها الحالي كان عضواً في الجيش سابقاً، الأمر الذي كانت له تبعات وطنية وإقليمية مهمة
لكن ثمة أمر واحد مؤكد، وهو أن التشكيك في دور الدولة قد كان نتيجة مشتركة بالنسبة لجميع دول المنطقة. فهذه الأمثلة وغيرها، تدعو إلى التساؤل حول النتائج الحقيقية "للربيع العربي"، وهو موضوع الكتاب الذي نتحدث عنه
وإذا لم يتفق المحللون والفاعلون الخارجيون حول أثر هذه الأحداث، فإن العمل الجماعي الذي قاده عبد الله ساعف يقترح دراسة مختلف دول المغرب والمشرق، باتباع نهج مقارن. ويقوم الكتاب بمناقشة "الربيع العربي" من خلال 14 فصلاً، وذلك من زوايا مختلفة لطرح تساؤلات حول السيناريوهات المختلفة والتشكلات المتعددة بعد مرور سبع سنوات من اندلاع الثورات
ميزات المقاربة المقارنة.II
يتضمن هذا العمل الجماعي فصولاً تتطرق إلى مواضيع متداخلة وإقليمية أو تتناول بلداناً معينة. ولعل أبرز ما يتضمنه هذا الكتاب هو تمَيُّز تحاليله التي تقدم قراءات مقارنة
وقد تم تناول المغرب باعتباره موضوع تحليل في ثلاثة فصول رسمت مشهد المطالب السياسية والاجتماعية. فمن منظور حركة "20 فبراير" و"الحراك"، يوضح المؤلفون أنه بالرغم من تمكن المتظاهرين من تحقيق إصلاحات سياسية، لم يحظ الشقان الاجتماعي والاقتصادي بنفس القدر من اهتمام الدولة. والحال أنه من أجل تهدئة الوضع، تم اتخاذ تدابير اجتماعية وترابية لكنها اعتبرت غير كافية. ويقدم محمد النعيمي ونسيم حجوجي على وجه التحديد لمحة عن التطورات الرئيسية التي شهدها المغرب منذ سنة 2011، حيث يقترح النعيمي شرحاً للنجاحات التي حققتها حركة "20 فبراير" وأوجه قصورها، فيما يتساءل حجوجي عما إذا كان "الحراك" انبعاثاً "للربيع العربي". فمن خلال مقاربة سوسيولوجية، سلط الكاتب الضوء على الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات في الريف سنة 2017، كما أنه سعى إلى تحديد طبيعة "الحراك" من خلال مقارنته مع الحركات الاحتجاجية المدنية في الولايات المتحدة، ومع أحداث "الربيع العربي"
ومن أجل حصر التحديات التي تعرفها الحركات الاحتجاجية في المغرب بشكل أفضل، كان من الضروري فهم الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الدولة، وذلك من خلال إبراز أسسها الدستورية. لذلك، ركز عبد المجيد أبو غازي على الإصلاحات القانونية والسياسية والمجتمعية. فبالنسبة له، نسج دستور 2011 علاقة من نوع جديد بين الدولة والمواطنين؛ علاقة ترمي إلى تجديد ميثاق الثقة وتوسيع نطاق النقاش السياسي. ويضع هذا الميثاق التأسيسي تصوراً جديداً للديمقراطية يشارك المواطنون من خلاله في النقاش العام
وإذا لم يزعزع "الربيع العربي" الذي عرفه المغرب استقرار البلاد، فقد عرفت ليبيا وضعاً مختلفاً للغاية. في الواقع، ركزت كاتبة هذه الإحاطة السياساتية على تحديات إعادة إعمار الدولة الليبية بعد أحداث "الربيع العربي"، فضلاً عن تحليل الاحتجاجات التي أدت إلى تنحية القذافي، بما في ذلك دور الفاعلين الخارجيين
بشكل عام، شهدت الديناميات السياسية في منطقة المغرب العربي بعد "الربيع العربي" تطورات مختلفة. وبغية وضع إطار تحليلي شامل وتفسيري لطبيعة التغييرات في بلدان المغرب العربي، استعان محمد بلعربي بالدراسات المتعلقة بالانتقال الديمقراطي لتحليل الإصلاحات المؤسساتية التي تمت مقارنتها في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا. هذا ويعرض الكاتب الحالة الراهنة للممارسة المؤسساتية وتجارب إرساء الديمقراطية. ويقترح أيضاً تحليلاً للتأثيرات الجيو-سياسية بناء على مقاربة مقارنة
ومن أجل وضع "الربيع العربي" في منظور مناسب، يقدم عبد الله ساعف لمحة عامة حول منطقتي المغرب والمشرق. حيث يدرس في البداية التفاعلات المغربية مع الأحداث في تونس ومصر. ثم ينتقل لتحليل الثورات من خلال مصطلحات عملية ونظرية لإبراز العوامل الرئيسية التي أدت إلى اندلاعها. كما ركز ساعف على التغييرات السياسية والاجتماعية التي ترتبت عن "الربيع العربي". وفي سياق عمله، تطرق ساعف إلى الأنظمة السياسية والمؤسساتية، بالإضافة إلى الفاعلين وتفاعلاتهم في المنطقة المدروسة
أما بالنسبة لدول الخليج، يدفع الاختلال الديموغرافي الدول إلى الاستعانة بالعمال الأجانب. وحسب الأستاذ مصطفى الرزرازي، يشكل هذا التوجه أساس مبدأ الأمن القومي لهذه البلدان. وتثير هذه الإشكالية الجديدة على نحو متزايد اهتمام المجتمع الدولي الحريص على حماية حقوق العمال. ومن هذا المنطلق، طرح الرزرازي مسألة العامل الديموغرافي في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال أحداث حرب الخليج الأولى وتداعيات "الربيع العربي"
ونبقى في منطقة الخليج، حيث ستكون المملكة العربية السعودية على وجه التحديد موضع تحليل بقلم الأستاذ عبد الحميد بنخطاب، الذي يتناول مسألة تداعيات "الربيع العربي" على المملكة. فبالرغم من أن معالم الاستقرار السياسي والاجتماعي كانت بادية على المملكة قبل اندلاع أحداث 2011، فقد طفت مكامن ضعفها على السطح عقب موجة الاحتجاجات. ويفسر الكاتب أنه بالرغم من توفر السعودية على الموارد والثروات، فإنها لا تستطيع تحقيق طموحاتها الإقليمية والدولية
وفيما يخص سوريا، لا تزال مسألة إعادة الإعمار قضية رئيسية، نظراً للتصاعد المستمر لأعمال العنف التي أسفرت عنها أحداث "الربيع العربي". ويشير سلام كواكبي بأن إعادة الإعمار ليست بالأمر المستحيل، لكنها تتطلب تحديد الأطراف المسؤولة عن الوصول لهذا الوضع وتقديم الحقيقة على النحو الصحيح. وحسب كواكبي، تولد عن "الربيع العربي" مجتمع مدني سوري يشكل عاملا ًمهماً في إعادة إعمار البلاد، غير أنه يعتقد أن تداعيات الحرب ستستمر إلى ما بعد تحقيق الاستقرار في سوريا
وتشير مختلف هذه التطورات إلى أن أغلبية الدول العربية قد تأثرت بأحداث "الربيع العربي". فبالموازاة مع التداعيات الاجتماعية، هناك تبعات سياسية توجب التطرق إليها في هذا العمل. لذا، يركز عبد المالك الوزاني على مسألة انهيار الدولة وإعادة إعمارها. ويقارن الكاتب في الفصل الذي قدمه نماذج الدول التي تمكنت من إعادة بناء نفسها، والدول التي انهارت وباتت مسألة بقائها موضع شك
إن النهج الذي يقترحه الكتاب لن يكون مكتملاً ما لم يتم تحليل الوضع الأمني والجيو-سياسي الذي أعقب "الربيع العربي". والحال أن التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد تمت أحياناً في ظل نوع من الاستقرار النسبي وأحياناً أخرى في ظل حروب أهلية وتغييرات في النظام. ويتطرق عبد الحق باسو، الزميل الأول في "مركز الدراسات والأبحاث" التابع للمجمع الشريف للفوسفاط، إلى أحداث "الربيع العربي" من خلال دراسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها. ويضع بذلك الأحداث في سياقها الإقليمي لدراسة التداعيات الأمنية على المنطقة
ومن جانبه، تناول محمد حدي أحداث "الربيع العربي" من منظور سوسيولوجي وفلسفي. حيث يؤكد على أن هذا النوع من التظاهرات ليس جديداً على العالم، إلا أنه يشدد على وجود فرق بسيط يتجلى في أن البلدان العربية لم تشهد مثيلاً لهذه التظاهرات بسبب طبيعتها، كونها كانت موجهة ضد السياسات القائمة، وكذلك بسبب تركيبتها المتباينة. ويوضح حدي الغاية من هذه الحركات الاجتماعية في العالم العربي، قبل أن يكشف اللثام عن الدور الذي لعبه الغرب ووسائل الإعلام منذ بداية الأحداث
من جهة أخرى، ومنذ بداية الثورات في مختلف الدول العربية، لم يستغرق الاتحاد الأوروبي الكثير من الوقت لإظهار ردة فعله، فمنذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، وضع الاتحاد الأوروبي شروطاً صارمة فيما يتعلق بالتعاون المالي مع بلدان المنطقة. ويشير إروان لانون إلى أن سياسة الاتحاد الأوروبي هذه قد أبانت عن ضعفها أمام حجم أعمال العنف وعدم الاستقرار المصاحبين للأزمات الإنسانية. ويتمحور تحليل الكاتب حول مراجعة "سياسة الجوار الأوروبية" كخطوة أولى قبل التركيز على تبعات الثورات على الحوار والتعاون العربي-الأوروبي. ومن جهته، يسلط ألفارو فاسكونسيلوس الضوء على ضرورة إعادة التفكير في مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فمن وجهة نظره، يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يستسلم لإغراء دعم الأنظمة الاستبدادية، لأن التطلعات الشعبية للحرية والعدالة تبقى قائمة. وهكذا يشرح هذا المحلل أنه يجب على الاتحاد الأوروبي إيجاد طريقة أكثر إيجابية لفهم علاقته مع دول جنوب البحر المتوسط
خلاصة
لقد كان "الربيع العربي" تجربة ناجحة في بعض البلدان، فيما شكل تجربة فاشلة في دول أخرى، وأدى في بعض الحالات إلى عودة النظام الذي كان سائداً قبل اندلاع ثوراته. فإذا كانت الثورات قد أدت إلى ولادة هذه الظاهرة، فقد كانت هناك ثورات مناهضة تم تنظيمها لإعادة النظام الذي كان قائماً قبل الثورة، وذلك عندما لم تتم الاستجابة للتوقعات الشعبية. ولم يكن من السهل تقديم إجابة عن السؤال حول ما إذا كان "الربيع العربي" قد انتهى، وذلك نظراً لتباين النتائج. غير أن تلك الأحداث لا تزال ماثلة في الأذهان وهي تتخذ أشكالاً مختلفة. وقد مكن "الربيع العربي" من إذكاء الوعي السياسي لدى جميع طبقات المجتمع، الذي لم يعد يتوانى عن التعبير عن سخطه. كما مكن المعارضة وقوات الثوار، التي كانت في السابق تفتقر للتنظيم أو تعاني من انقسامات، من تنظيم صفوفها بشكل أفضل بفضل شبكات التواصل الاجتماعي. ومن جهتها، أدركت الحكومات أنه من أجل الدفاع عن شرعيتها، يجب عليها أن تتعامل مع مطالب الشعوب وتقديم تنازلات من أجل البقاء. وفي الوقت الذي تنازل البعض فيه عن السلطة، تشبث آخرون بها بقبضة من حديد، فيما اقترح آخرون إصلاحات من أجل "شراء" السلم الاجتماعي.